جميل أن تتأملي.. فلا تقتصر حياتك على معايشة الأمور اليومية دون البحث عن عمق.
طبيعي أن تحزني.. أن تلح عليكِ الذكريات حينًا، ويعتصرك الحنين الغامض لأيام رحلت وأحباب قضوا.
ومن المستحيل ألا تقلقي، فكل البشر يقلقون وإن كانوا يختلفون في حجم القلق ومدته وطبيعته، ومن المستحيل أيضًا أن تحتفظي بحماسك وإقبالك على جوانب حياتك المختلفة، فالنفس تمل.. والروتين يقتل فينا الشعور بالبهجة.
ولكن الخطر يكمن في أن يصبح التأمل رماديًا مفضيا إلى اليأس والشعور بعدم الجدوى بدلا من أن يوصل إلى معرفة الله واليقين بلقائه وأنه لم يخلقنا عبثًا ولا سدى.
والخطر أن يسيطر الحزن على النفس فيهون من شأن الحاضر ويضخم الذكريات ويجعل الفرح محرمًا.
الخطر في أن يزداد ضغط القلق وإلحاحه وقوته فينتثر شظايا من سوء الظن بالله، وفقدان للثقة بالنفس وبالناس، ومعايشة للمكاره المتوهمة والمستبعدة، وإستهزاءًا بالفأل الحسن والإستبشار بالخير المخبوء.
وأخطر ما في الأمر أن مثل هذه السلوكيات النفسية تزحف خفية ولا تلبث أن تتحول إلى إكتئاب مرضي، فكثيرًا ما تبدو هذه الأمور تحت السيطرة وهي في الحقيقة بداية لما هو أشد، لما يفرض نفسه على الإنسان ويغلبه، فعندما يسيطر الحزن والقلق وفقدان الدافعية والجدوى يستهلك الدماغ السيروتونين -هرمون السعادة- بنسبة أعلى، وكثيرًا ما يبدأ الأمر كلعبة.. أو مزاح ثم يتحول إلى جاثوم حقيقي يطبق على حياتك، وهذه العاطفة الجياشة والمعايشة للتفاصيل الكثيرة في حياة المرأة تجعلها الأكثر، وعدم مرونتها في الخروج من همومها وإلهاء نفسها كما يفعل الرجل، كل هذا -وغيره- يجعلها أكثر عرضة للإصابة بالإكتئاب.. وقبل أن تتحول سلوكياتك النفسية الخفية إلى اكتئاب حقيقي، إليكِ علامات التحذير حتى تبقى الأمور تحت سيطرتك، وطرق الوقاية.. فهي دومًا خير من العلاج، والدفع -كما يقولون- أسهل من الرفع.
1ـ لا تفقدي بوصلتك الإيمانية:
تُدبر الدنيا وتُقبل..ينشرح الصدر ويضيق، تتقلب الأحوال بين سراء وضراء، يَكثر الناس ويَقلون، كل شيء يتغير، ولكن الحق الذي لا يزول ولا يأفل ولا يقربه شك هو الله جل جلاله الحي القيوم، فمنه إستمدي ثبات قلبك، وهداية دربك.
كل شيء قد يعتريه الشك وفقدان الحماس والإهتمام.. كل شيء خاضع للتأمل والنقد والمراجعة ولكن تظل حقيقة وجودنا على هذه الأرض والهدف الذي خلقنا من أجله واضح حقيقي لا عبث فيه ولا لهو ولا سراب، قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ*فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115-116].
الإيمان وثبات الحقائق الكبرى، ووضوح المبدأ والمعاد، وإستشعار معية الله ورحمته وعظمته وحكمته هو النجاة في الدنيا والآخرة.
2ـ إحذري عدوى الكآبة:
الكآبة معدية.. تنتقل عبر الفم وبقية الحواس، فكلمات اليأس والسآمة التي يبثها الآخرين تنتقل إلينا شئنا أم أبينا، ونظرات الإستسلام والإحباط تخترقنا، وحركات الجسد المتثاقلة الشائخة تطفؤنا، وليست المشكلة أبدًا في مساعدة المتعبين، أو الإستماع إلى الحائرين فهؤلاء يريدون مخرجًا ومعينًا، ومساعدتهم تزيدنا حيوية ونضجًا وراحة، ولكن المشكلة في ترك العقل والقلب لهؤلاء الذين لا يريدون سوى إفراغ كآبتهم المتوسطة التي لا توجعهم وإنما يلتذون بنقلها، ويستمتعون بتدوير الهموم وتضخيم المشكلات وتعقيدها أمام من يحاول مساعدتهم، فالإسترسال مع هذا الصنف يهيأ المشاعر للإنغلاق، ويشيع حالة من السخط والغفلة عن نعم الله.
ومن وسائل نشر عدوى الكآبة –التي قلَّما يُحتاط لها- مشاهدة العديد من مسلسلات وبرامج التلفاز، فمجرد متابعة الدراما بكثرة والغوص في قصص مختلقة مفعمة بالأحداث والإنسان جالس في مكانه يجعله ناقما على حياته الطبيعية الخالية من جرعات الأكشن والمبالغة والصدف الخيالية المتناثرة في كل مكان!
3ـ إنطلقي مع الصغار:
هناك حيث الفرحة لا تحتاج إلى طول ترتيب، إنها فجائية وحماسية، والمشاعر السلبية عابرة وسطحية، هناك مع الصغار حيث اللعب جد، والخيال حقيقة..الحب لا يستأذن والكراهية تزول ببسمة.
إذا كنت تشعرين ببوادر إكتئاب فهلمي إلى عالم الصغار، أقبلي على هذا العالم لتندمجي فيه دون تقييم ولا رغبة في السيطرة عليه أو تحديده، فقواعد الصغار هي خير شفاء للملل والإكتئاب والتعقيد الذي ملأ القلوب والعقول.
4ـ إقفـــزي!
يتحدث أحد رموز التنمية البشرية -أنتوني روبنز- في كتابه الممتع أيقظ قواك الخفية: عن تأثير حركة الجسم على نفسية الإنسان، فيقول: إذا إستخدمت جسمك بسبل ضعيفة، إن خفضت كتفيك باستمرار، وإن مشيت دائمًا وأنت متعب، فستشعر بالتعب دائما، كيف يمكنك تجنب ذلك إن جسمك هو الذي يقود عواطفك، فالحالة العاطفية التي تسيطر عليك تبدأ في التأثير على جسمك وتصبح بمثابة عقدة لا نهاية لها.
وعن تأثير القفز يقول: قد يكون من الأفضل لك أن تذهب في جولة قفز بدلا من الهرولة، إذ إن القفز هو أسلوب مؤثر لتغيير وضعيتك لأنه يحقق أربعة أشياء:
أ) أنه رياضة ممتازة.
ب) لا يحدث الكثير من الضغط على جسمك مثل الركض.
ج) لن يمكنك من الإحتفاظ بوجه متجهم.
د) ستدخل السرور على من يمرون بك، ولذا فإنك بذلك تبدل مزاجك ومزاج الآخرين أيضًا.
عندما تشعرين بسحابة الهم تحلق على مقربة منكِ.. وبإستسلامك لتلك الأفكار التعسة التي لا طائل من ورائها، فإنه أوان القفز.. لا تحتاجين إلى أكثر من حبل حتى تحولي هذا النشاط الرائع إلى رياضة معتبرة ويعدها الباحثون من أفضل الرياضات للجسم والمزاج العام.
5ـ خففي من روح التقييم:
قد تظنين أن بعض الناس يفسدون عليكِ حياتك، أو أن تدخل البعض وحكمهم عليكِ وعلى أعمالك بشكل سلبي وساخر يقودك إلى ضعف الثقة بالنفس وفقدان الإستمتاع بالحياة.. ولكن الحقيقة أن ما يفسد حياة الكثيرين وينغص إسترسالهم مع السعادة والمتعة هو ناقد داخلي لا يرحم.. إنه شيء بداخلك.
هل تسخرين من نفسك؟
هل تتحاشين القيام بأعمال معينة -لا حرمة فيها ولا كراهة- لأنك تخشين من سخرية الناقد الداخلي؟!
هل تجمدين الفرحة والمرح والرغبة في الضحك أحيانًا لأنك لا تريدين أن تفسدي صورتك المتجهمة التي تعودتي عليها؟
إعلمي إذًا أن من أعظم أسباب الإكتئاب والإنغلاق الجمود وعدم التغيير والخوف من السخرية الداخلية والخارجية، وكثرة لوم الذات -في غير محله-.
حرري نفسك من النقد الذاتي، قاومي الإستسلام لسخريتك، والطريقة سهلة جدا، وهي بأن تعلمي أن سخريتك الذاتية من نفسك، ولومك المستمر لها، وترددك المبالغ فيه، إنما هو إنعكاس لكل تلك التهكمات والـ لاءات التي إعترضت طريقك في الحياة منذ الصغر، إنها آراء الآخرين ومحاولاتهم للسيطرة عليكِ.. فلماذا تسمحين لهم بالسيطرة على رؤيتك للأمور؟!.. إنهم ليسوا هنا الآن، إنهم ليسوا مسيطرين عليكِ فقد كبرت، حرري نفسك من السخرية القديمة لصديقات أو قريبات أو إخوة وأخوات أو حتى معلمين ووالدين، وتولي زمام الإختيار، وقابلي الساخر الداخلي بسخرية منه.. فالسخرية هي طريقة رخيصة لعرقلة الآخرين.. وقد يكون الساخرون هم الوحيدين الذين يستحقون السخرية!
نستعرض في المقال القادم بإذن الله تعالى الطرق الخمسة الباقية لقتل الإكتئاب في مهده.. شرح الله صدورنا، وأعاذنا من الهم والحزن، والعجز والكسل.
الكاتب: مي عباس.
المصدر: موقع رسالة المرأة.